وداع أسطورة : مغادرة توماس مولر بايرن ميونخ ومسيرة حافلة بالألقاب

 وداع أسطورة : مغادرة توماس مولر بايرن ميونخ ومسيرة حافلة بالألقاب


في عالم كرة القدم، هناك لاعبون يتركون بصمة لا تُمحى في تاريخ أنديتهم، وتوماس مولر، نجم بايرن ميونخ، هو بلا شك أحد هؤلاء الأساطير. مع اقتراب فترة رحيله عن النادي البافاري، يتساءل عشاق اللعبة عن نهاية حقبة مميزة للاعب ارتبط اسمه بالنجاح والإنجازات على مدار أكثر من عقد ونصف. 


في خبر هزّ عالم كرة القدم، أعلن نادي بايرن ميونخ الألماني في الخامس من أبريل 2025 عن انتهاء مسيرة أحد أبرز أساطيره، توماس مولر، مع الفريق بنهاية الموسم الحالي. بعد ربع قرن من الولاء والعطاء، يستعد النجم البافاري لإغلاق صفحة مميزة في تاريخه مع النادي الذي شهد انطلاقته وتألقه، تاركًا خلفه إرثًا يصعب تكراره. هذا المقال يأخذكم في رحلة عبر مسيرة توماس مولر مع بايرن ميونخ، من بداياته المتواضعة إلى لحظات التتويج العظيمة، وصولاً إلى لحظة الوداع المؤثرة.

بداية الحلم: من ناشئ إلى نجم عالمي

ولد توماس مولر في 13 سبتمبر 1989 في مدينة فايلهايم البافارية، ليبدأ مشواره مع كرة القدم في سن مبكرة. انضم إلى أكاديمية بايرن ميونخ وهو في العاشرة من عمره، حيث أظهر موهبة استثنائية جعلته يتدرج عبر الفئات العمرية حتى وصل إلى الفريق الأول في عام 2008. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتوقع أن هذا الفتى الطويل النحيف سيصبح يومًا ما رمزًا للنادي وأحد أعظم اللاعبين في تاريخه.

كانت مباراته الأولى مع الفريق الأول في الدوري الألماني "البوندسليجا" في أغسطس 2008، وسرعان ما بدأ في ترك بصمته. بفضل ذكائه داخل الملعب، قدرته على استغلال المساحات، وروحه القتالية، حصل مولر على لقب "راومدويتر" (مفكك الفضاء)، وهو وصف يعكس أسلوب لعبه الفريد الذي يجمع بين المهارة والتكتيك.

مسيرة ذهبية: ألقاب وإنجازات لا تُنسى

على مدار 17 عامًا مع الفريق الأول، خاض توماس مولر 743 مباراة بقميص بايرن ميونخ، مسجلاً 247 هدفًا وصانعًا 273 تمريرة حاسمة، ليصبح أكثر اللاعبين خوضًا للمباريات في تاريخ النادي. لكن الأرقام وحدها لا تروي القصة كاملة، فمولر كان أكثر من مجرد لاعب؛ كان قائدًا داخل الملعب وخارجه، ورمزًا للروح البافارية التي يتميز بها النادي.

من أبرز إنجازاته مع بايرن ميونخ، فوزه بلقب دوري أبطال أوروبا مرتين، الأولى في 2013 تحت قيادة يوب هاينكس، والثانية في 2020 مع هانزي فليك في موسم استثنائي شهد تتويج الفريق بالثلاثية التاريخية (الدوري، الكأس، ودوري الأبطال). كما حصد مولر لقب الدوري الألماني 12 مرة، منها 11 لقبًا متتاليًا بين 2012 و2023، ليصبح أحد أكثر اللاعبين تتويجًا في تاريخ "البوندسليجا". 

إلى جانب ذلك، أضاف إلى خزائنه 6 ألقاب لكأس ألمانيا، 8 ألقاب للسوبر الألماني، لقبين لكأس العالم للأندية، ولقبين للسوبر الأوروبي، ليصل إجمالي ألقابه مع النادي إلى 33 لقبًا. هذه الأرقام تجعله أحد أكثر اللاعبين نجاحًا في تاريخ كرة القدم الألمانية، متفوقًا حتى على أساطير مثل باستيان شفاينشتايجر وفيليب لام من حيث عدد البطولات.

دور أكبر من الأرقام: القائد الصامت

ما يميز توماس مولر عن غيره ليس فقط ألقابه أو أهدافه، بل شخصيته الفريدة وتأثيره داخل الفريق. لُقب بـ"راديو مولر" بسبب حديثه المستمر وروحه المرحة التي كانت ترفع معنويات زملائه في أصعب اللحظات. كان صوتًا قويًا في غرفة الملابس، يحفز اللاعبين ويدفعهم لتقديم الأفضل، حتى عندما أصبح دورًا احتياطيًا في سنواته الأخيرة.

على الرغم من تراجع دوره الهجومي في السنوات الأخيرة بسبب التقدم في العمر وتغير أساليب اللعب تحت قيادة مدربين مثل توماس توخيل وفينسنت كومباني، ظل مولر يثبت أهميته. سواء بتسجيل هدف حاسم أو بتقديم تمريرة ذكية، كان دائمًا حاضرًا في اللحظات التي تحتاج فيها الجماهير إلى بطل.

قرار الرحيل: نهاية حقبة

في أبريل 2025، أعلن بايرن ميونخ أن عقد مولر، الذي ينتهي في صيف 2025، لن يتم تجديده. جاء هذا القرار بعد نقاشات طويلة بين اللاعب وإدارة النادي، الت personallyكما عبّر مولر عن رغبته في الاستمرار لموسم إضافي، لكنه احترم قرار النادي بالمضي قدمًا في خطط جديدة. في تصريح له عبر "إنستغرام"، قال: "النادي اتخذ قرارًا واعيًا بعدم التفاوض لتجديد عقدي. رغم أن هذا لا يتماشى مع رغبتي الشخصية، إلا أنني أحترم قناعاتهم".

من جانبه، أشاد كريستوف فريوند، المدير الرياضي لبايرن، بمسيرة مولر، مؤكدًا أنه "لن يكون هناك لاعب مثله مجددًا". ومع اقتراب مشاركته الأخيرة مع الفريق في كأس العالم للأندية بالولايات المتحدة، يستعد النادي لتكريم أسطورته بطريقة تليق بإرثه.

مستقبل مولر: وجهة جديدة أم اعتزال؟

بعد الإعلان عن الرحيل، بدأت التكهنات حول الخطوة التالية لمولر. يبدو أن اللاعب البالغ من العمر 35 عامًا لا يزال لديه الكثير ليقدمه، وتشير تقارير إلى أنه منفتح على خوض تجربة جديدة خارج ألمانيا. الدوري الأمريكي (MLS) يبرز كوجهة محتملة، خاصة مع اقتراب كأس العالم 2026 التي ستُقام في الولايات المتحدة، حيث يمكن لمولر أن يضيف قيمة كبيرة بفضل خبرته وجاذبيته الجماهيرية. كما ذكرت بعض المصادر اهتمام أندية من الدوري السعودي بالتعاقد معه.
في المقابل، قد يفكر مولر في الاعتزال بعد موسم حافل بالتحديات، ليترك الملاعب وهو في قمة عطائه، تاركًا إرثًا نظيفًا بعيدًا عن أي تراجع محتمل. أيًا كان قراره، فإن تأثيره سيظل محفورًا في ذاكرة عشاق بايرن ميونخ والكرة الألمانية.

وداع يليق بالأساطير

مغادرة توماس مولر لبايرن ميونخ ليست مجرد نهاية عقد، بل نهاية حقبة شهدت صعود أحد أعظم اللاعبين في تاريخ النادي. من طفل بافاري حلم باللعب في "أليانز أرينا" إلى أسطورة صنعت التاريخ، كان مولر مثالًا للإخلاص والتفاني. ومع اقتراب لحظة الوداع، يستحق هذا البطل مباراة تكريمية تليق بمسيرته، ربما في نهائي دوري أبطال أوروبا أو كأس العالم للأندية، ليرفع كأسًا أخيرًا .