الأساطير مقابل الحداثة : هل يمكن مقارنة ميسي وبيليه ؟

 الأساطير مقابل الحداثة : هل يمكن مقارنة ميسي وبيليه ؟


كرة القدم ، اللعبة التي أسرت قلوب المليارات ، هي ساحة تجتمع فيها العاطفة والمهارة لتروي قصصًا خالدة. من بين أبطال هذه القصص ، يبرز إسمان كرمزين للعبقرية بيليه وميسي وهل يمكن المقارنة بينهم ؟ 

بيليه ، الأسطورة البرازيلية التي حكمت الملاعب في القرن العشرين ، وليونيل ميسي، العبقري الأرجنتيني الذي أعاد تعريف اللعبة في العصر الحديث لكن، هل يمكن مقارنة هذين النجمين ؟

 هل من العدل قياس لاعب من عصر الكرة الأولى بنجم يتألق في زمن التكنولوجيا والتكتيكات المتقدمة ؟ في هذا المقال المطول، نغوص في تحليل عميق لهذا الجدل، مستعرضين إنجازاتهما، أساليبهما، والسياقات التي شكلت كل منهما، لنحاول فهم ما إذا كانت هذه المقارنة ممكنة أم لا.

بيليه: ملك العصر الذهبي

وُلد إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، المعروف بـ"بيليه"، عام 1940 في قرية فقيرة بالبرازيل. منذ طفولته، كان يلعب الكرة في الشوارع بأدوات بدائية، لكنه سرعان ما أبهر العالم. في سن السابعة عشرة، قاد بيليه البرازيل للفوز بكأس العالم 1958، مسجلاً أهدافًا أسطورية ومُظهرًا موهبة نادرة. إنجازاته تشمل:

ثلاثة ألقاب في كأس العالم (1958، 1962، 1970)، وهو رقم قياسي لم يحققه أي لاعب آخر.

تسجيل أكثر من 1200 هدف في مسيرته، بما في ذلك 77 هدفًا مع المنتخب البرازيلي، وإن كانت بعض الأرقام مثار جدل بسبب احتساب مباريات ودية.

قيادة نادي سانتوس للفوز ببطولات محلية وقارية، مثل كأس ليبرتادوريس، وتحويله إلى قوة عالمية.

كان أسلوب بيليه مزيجًا من القوة البدنية، المهارة الفنية، والإبداع. كان يراوغ المدافعين بسهولة، يسجل من زوايا مستحيلة، ويصنع الفرص لزملائه برؤية استثنائية. في عصر كانت فيه الملاعب غير مثالية والتدخلات العنيفة مسموحة، أظهر بيليه متانة جسدية وذهنية مذهلة. لقد كان رمزًا للروح الرياضية، وسفيرًا عالميًا لكرة القدم، حيث ساهم في نشر اللعبة عالميًا، خاصة عندما انضم إلى نادي نيويورك كوزموس في السبعينيات.

لكن، عصر بيليه لم يخلُ من التحديات. كانت المباريات تُبث على نطاق محدود، مما يعني أن الكثير من إبداعاته محفوظة في لقطات قديمة أو روايات شفهية. كما أن التكتيكات الدفاعية لم تكن معقدة كما هي اليوم، والإحصائيات لم تكن دقيقة دائمًا. مع ذلك، هيمنته في ظل هذه الظروف تؤكد عبقريته.

ليونيل ميسي: معجزة العصر الحديث

وُلد ليونيل ميسي عام 1987 في روزاريو، الأرجنتين، ونشأ في ظروف متواضعة. بعد اكتشاف موهبته المبكرة، انضم إلى أكاديمية برشلونة "لا ماسيا"، حيث بدأت أسطورته. ميسي ليس مجرد لاعب، بل ظاهرة غيرت معايير التميز في كرة القدم. إنجازاته تشمل:

ثماني جوائز الكرة الذهبية، وهو رقم قياسي يعكس سيطرته على اللعبة لسنوات.

تسجيل أكثر من 800 هدف في مسيرته، بما في ذلك 91 هدفًا في عام 2012، وهو رقم قياسي عالمي.

الفوز بأربعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا، عشرة ألقاب في الدوري الإسباني مع برشلونة، وكأس العالم 2022 مع الأرجنتين.

أسلوب ميسي هو تحفة فنية. بفضل مركز ثقله المنخفض، سرعته في المراوغة، ورؤيته الخارقة، يستطيع تفكيك أقوى الدفاعات بدقة متناهية. سواء كان يسجل ركلات حرة مذهلة، أو يراوغ في مساحات ضيقة، أو يمرر تمريرة حاسمة، يجمع ميسي بين دور صانع الألعاب والمهاجم. تواضعه وروحه الجماعية جعلاه محبوبًا عالميًا، حتى مع انتقاله إلى باريس سان جيرمان ثم إنتر ميامي.

لكن، عصر ميسي يتميز بالمنافسة الشرسة والتدقيق الإعلامي. يواجه لاعبو اليوم جداول مزدحمة، تكتيكات دفاعية معقدة، وتغطية إعلامية مكثفة عبر وسائل التواصل. البعض يرى أن سيطرة ميسي كانت مرهونة بلعب مع نجوم مثل تشافي وإنييستا في برشلونة، وأن نجاحه الدولي تأخر حتى كأس العالم 2022. مع ذلك، استمرار تألقه في ظل هذه الضغوط يثبت تفوقه.

تحديات المقارنة بين بيليه وميسي

مقارنة بيليه وميسي تتطلب فهم الفجوة بين عصريهما. إليك العوامل الرئيسية التي تجعل هذه المقارنة معقدة:

1. ظروف اللعب

لعب بيليه على ملاعب غير متساوية، مع كرات ثقيلة تصبح أثقل في المطر. كانت الحماية من التدخلات العنيفة محدودة، والحكام يتغاضون عن العنف أحيانًا. أما ميسي، فيستفيد من ملاعب مثالية، كرات خفيفة، وقوانين صارمة. لكنه يواجه مدافعين مدربين على إيقاف اللاعبين المبدعين بتكتيكات مثل الضغط العالي أو التدخلات التكتيكية.

2. التطور التكتيكي

في عصر بيليه، كانت اللعبة أقل تنظيمًا، مع تشكيلات مثل 2-3-5 التي تمنح المهاجمين مساحات أكبر، مما قد يفسر أعداد الأهداف الكبيرة. اليوم، مع تشكيلات مثل 4-2-3-1 أو 4-3-3، يواجه ميسي دفاعات متراصة تتطلب قرارات لحظية. هذا يجعل إنجازات ميسي في ظل هذه التعقيدات لا تقل روعة.

3. الانتشار الإعلامي

انتشرت شهرة بيليه عبر بث تلفزيوني محدود وروايات الصحف، مما يجعل تأثيره العالمي في ذلك الوقت مذهلاً. أما ميسي، فيعيش في عصر الإنترنت ووسائل التواصل، حيث يتم تحليل كل لقطة له. هذا يضاعف شهرته، لكنه يعرضه لانتقادات مستمرة، بينما يحظى بيليه بهالة من الحنين والتوقير.

4. دقة الإحصائيات

تثير أهداف بيليه جدلاً بسبب احتساب مباريات غير رسمية، مثل الوديات. أما إحصائيات ميسي، فهي موثقة بدقة بفضل التكنولوجيا الحديثة. لكن، تألق بيليه في كأس العالم، حيث واجه أفضل المنتخبات، يمنحه ميزة كبيرة، بينما سيطرة ميسي على مستوى الأندية في عصر تنافسي توازي هذا الإنجاز.

5. التأثير الثقافي

كان بيليه رمزًا للفخر البرازيلي، وفتح أبوابًا للرياضيين السود في عالم مليء بالتحديات العرقية. انتقاله إلى الولايات المتحدة ساهم في نشر كرة القدم في أمريكا. ميسي، رغم أنه أقل انخراطًا في السياسة، ألهم جيلاً بقصته عن التغلب على تحديات جسدية (نقص هرمون النمو في طفولته) ليصبح الأفضل.

لماذا بيليه؟

مؤيدو بيليه يرون أن ألقابه الثلاثة في كأس العالم لا تُضاهى. قدرته على التألق في بطولات عالمية، حيث كانت المنافسة شرسة، تثبت تفوقه. تنوع مهاراته فى التسجيل ، الصناعة، القيادة جعله نموذجًا للأجيال القادمة. في عصر محدود الموارد، جعل بيليه كرة القدم ظاهرة عالمية، وهو إنجاز يصعب تكراره.

لماذا ميسي؟

أنصار ميسي يشيرون إلى استمراريته وثباته. سيطرته على عصر تنافسي، مع ثماني كرات ذهبية وأرقام قياسية مثل 91 هدفًا في عام، تظهر تفوقًا لا مثيل له. فوزه بكأس العالم 2022 أسكت منتقديه، وتأقلمه مع أساليب مختلفة—من تيكي تاكا برشلونة إلى أسلوب الأرجنتين الواقعي يبرز عبقريته.

هل المقارنة ممكنة؟

الجدل بين بيليه وميسي يعتمد على وجهة النظر. إذا كنت تقدر التأثير العالمي والروح الريادية، فإن بيليه يتفوق. أما إذا كنت تركز على الإنجازات القابلة للقياس في عصر معقد، فميسي هو الأبرز. لكنهما يشتركان في سمة نادرة: جعلا المستحيل يبدو سهلاً. ركلات بيليه البهلوانية ومراوغات ميسي الساحرة هما تعبيران مختلفان عن الفن ذاته.

بدلاً من اختيار الأفضل، ربما يكون الأجدر الاحتفاء بدورهما في تطور كرة القدم. بيليه وضع الأساس، وحول لعبة إقليمية إلى ظاهرة عالمية. ميسي بنى على هذا الإرث، ودفع حدود الكمال التقني. مقارنتهما قد تقلل من تألقهما الفريد، كما لو كنا نقارن بين شاعرين عظيمين من عصور مختلفة.

سؤال "هل يمكن مقارنة بيليه وميسي ؟" لا يملك إجابة قاطعة، لكنه يفتح نافذة لتقدير تاريخ كرة القدم الغني. بيليه، الرائد، وميسي، المعجزة الحديثة، يجسدان جوهر اللعبة: مزيج من العبقرية الفردية والعاطفة الجماعية. كمشجعين، نحن محظوظون لأننا شهدنا إرثهما، محفوظًا في لقطات قديمة وفيديوهات رقمية. بدلاً من اختيار بطل، دعونا نحتفل بكيفية جعل رجلين، من عصور مختلفة، العالم يعشق كرة القدم.